فصل: باب مَا يَقُولُ الْإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يتم الركوع‏)‏ أقود الركوع بالذكر مع أن السجود مثله لكونه أفرده بترجمة تأتي، وغرضه سياق صفة الصلاة على ترتيب أركانها، واكتفى عن جواب ‏"‏ إذا ‏"‏ بما ترجم به بعد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يتم ركوعه بالإعادة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأى حذيفة رجلا‏)‏ لم أقف على اسمه لكن عند ابن خزيمة وابن حبان من طريق الثوري عن الأعمش أنه كان عند أبواب كندة، ومثله لعبد الرزاق عن الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يتم الركوع والسجود‏)‏ في رواية عبد الرزاق ‏"‏ فجعل ينقر ولا يتم ركوعه ‏"‏ زاد أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة ‏"‏ فقال‏:‏ منذ كم صليت‏؟‏ فقال‏:‏ منذ أربعين سنة ‏"‏ ومثله في رواية الثوري، وللنسائي من طريق طلحة بن مصرف عن زيد بن وهب مثله، وفي حمله على ظاهره نظر، وأظن ذلك هو السبب في كون البخاري لم يذكر ذلك، وذلك لأن حذيفة مات سنة ست وثلاثين فعلى هذا يكون ابتداء صلاة المذكور قبل الهجرة بأربع أو أكثر ولعل الصلاة لم تكن فرضت بعد، فلعله أطلق وأراد المبالغة، أو لعله ممن كاد يصلي قبل إسلامه ثم أسلم فحصلت المدة المذكورة من الأمرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما صليت‏)‏ هو نظير قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته ‏"‏ فإنك لم تصل ‏"‏ وسيأتي بعد باب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطر الله محمدا‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ عليها ‏"‏ واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وعلى أن الإخلال بها مبطل للصلاة، وعلى تكفير تارك الصلاة لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها فيكون نفيه عمن أخل بها كلها أولى، وهذا بناء على أن المراد بالفطرة الدين، وقد أطلق الكفر على من لم يصل كما رواه مسلم صلى الله عليه وسلم وهو إما على حقيقته عند قوم وإما على المبالغة في الزجر عند آخرين، قال الخطابي‏:‏ الفطرة الملة أو الدين، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد بها هنا السنة كما جاء ‏"‏ خمس من الفطرة ‏"‏ الحديث، ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ ‏"‏ سنة محمد ‏"‏ كما سيأتي بعد عشرة أبواب، وهو مصير من البخاري إلى أن الصحابي إذا قال سنة محمد أو فطرته كان حديثا مرفوعا، وقد خالف فيه قوم والراجح الأول‏.‏

*3*باب اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استواء الظهر في الركوع‏)‏ أي من غير ميل في الرأس عن البدن ولا عكسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حميد‏)‏ هو الساعدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هصر ظهره‏)‏ بفتح الهاء والصاد المهملة أي أماله‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ حنى ‏"‏ بالمهملة والنون الخفيفة وهو بمعناه، وسيأتي حديث أبي حميد هذا موصولا مطولا في ‏"‏ باب سنة الجلوس في التشهد ‏"‏ بلفظ ‏"‏ ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه ثم هصر طهره ‏"‏ زاد أبو داود من وجه آخر عن أبي حميد ‏"‏ ووتر يديه فتجافى عن جنبيه ‏"‏ وله من وجه آخر ‏"‏ أمكن كفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه ثم هصر ظهره غير مقنع رأسه ولا صافح بخده‏"‏‏.‏

*3*باب حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهِ وَالطُّمَأْنِينَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحد إتمام الركوع والاعتدال فيه‏)‏ وقع في بعض الروايات عند الكشميهني وهو للأصيلي هنا ‏"‏ باب إتمام الركوع ‏"‏ ففصله عن الباب الذي قبله بباب، وعند الباقين الجميع في ترجمة واحدة إلا أنهم جعلوا التعليق عن أبي حميد في أثنائها لاختصاصه بالجملة الأولى، ودلالة حديث البراء على ما بعدها، وبهذا يجاب عن اعتراض ناصر الدين بن المنير حيث قال‏:‏ حديث البراء لا يطابق الترجمة للاستواء في الركوع السالم من الزيادة في حنو الرأس دون بقية البدن أو العكس، والحديث في تساوي الركوع مع السجود وغيره في الإطالة والتخفيف ا هـ‏.‏

وكأنه لم يتأمل ما بعد حديث أبي حميد من بقية الترجمة، ومطابقة حديث البراء لقوله ‏"‏ حد إتمام الركوع ‏"‏ من جهة أنه دال على تسوية الركوع والسجود والاعتدال والجلوس بين السجدتين، وقد ثبت في بعض طرقه عند مسلم تطويل الاعتدال فيؤخذ منه إطالة الجمع، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والاطمأنينة‏)‏ كذا للأكثر بكسر الهمزة، ويجوز الضم وسكون الطاء، وللكشميهني‏:‏ ‏"‏ والطمأنينة ‏"‏ بضم الطاء وهي أكثر في الاستعمال، والمراد بها السكون، وحدها ذهاب الحركة التي قبلها كما سيأتي مفسرا في حديث أبي حميد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الحكم‏)‏ هو ابن عتيبة ‏(‏عن ابن أبي ليلى‏)‏ هو عبد الرحمن، ووقع التصريح بتحديثه له عند مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما خلا القيام والقعود‏)‏ بالنصب فيهما، قيل المراد بالقيام الاعتدال وبالقعود الجلوس بين السجدتين، وجزم به بعضهم، وتمسك به في أن الاعتدال والجلوس بين السجدتين لا يطولان، ورده ابن القيم في كلامه على حاشية السنن فقال‏:‏ هذا سوء فهم من قائله، لأنه قد ذكرهما بعينهما فكيف يستثنيهما‏؟‏ وهل يحسن قول القائل جاء زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدا وعمرا، فإنه متى أراد نفي المجيء عنهما كان تناقضا ا هـ‏.‏

وتعقب بأن المراد بذكرها إدخالها في الطمأنينة وباستثناء بعضها إخراج المستثنى من المساواة‏.‏

وقال بعض شيوخ شيوخنا‏:‏ معنى قوله ‏"‏ قريبا من السواء ‏"‏ أن كل ركن قريب من مثله، فالقيام الأول قريب من الثاني والركوع في الأولى قريب من الثانية، والمراد بالقيام والقعود اللذين استثنيا الاعتدال والجلوس بين السجدتين ولا يخفى تكلفه‏.‏

واستدل بظاهره على أن الاعتدال ركن طويل ولا سيما قوله في حديث أنس ‏"‏ حتى يقول القائل قد نسي ‏"‏ وفي الجواب عنه تعسف والله أعلم‏.‏

وسيأتي هذا الحديث بعد أبواب بغير استثناء، وكذا أخرجه مسلم من طرق، وقيل المراد بالقيام والقعود القيام للقراءة والجلوس للتشهد لأن القيام للقراءة أطول من جميع الأركان في الغالب، واستدل به على تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين كما سيأتي في ‏"‏ باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع ‏"‏ مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ بِالْإِعَادَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم الركوع بالإعادة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ هذه من التراجم الخفية، وذلك أن الخبر لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلي المذكور، لكنه صلى الله عليه وسلم لما قال له ‏"‏ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ‏"‏ إلى آخر ما ذكر له من الأركان اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها، فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة‏.‏

قلت‏:‏ ووقع في حديث رفاعة بن رافع عند ابن أبي شيبة في هذه القصة ‏"‏ دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها ‏"‏ فالظاهر أن المصنف أشار بالترجمة إلى ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي قَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ قال الدار قطني‏:‏ خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد، فإنهم لم يقولوا عن أبيه؛ ويحيى حافظ قال‏:‏ فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين‏.‏

وقال البزار‏:‏ لم يتابع يحيى عليه، ورجح الترمذي رواية يحيى‏.‏

قلت‏:‏ لكل من الروايتين وجه مرجح، أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين‏.‏

فأخرج البخاري طريق يحيى هنا وفي ‏"‏ باب وجوب القراءة ‏"‏ وأخرج في الاستئذان طريق عبيد الله بن النمير، وفي الإيمان والنذور طريق أسامة كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه، وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة‏.‏

وللحديث طريق أخرى من غير رواية أبي هريرة أخرجها أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ومحمد بن عجلان وداود بن قيس كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع، فمنهم من لم يسم رفاعة قال ‏"‏ عن عم له بدري ‏"‏ ومنهم من لم يقل عن أبيه، ورواه النسائي والترمذي من طريق يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جده عن رفاعة لكن لم يقل الترمذي عن أبيه، وفيه اختلاف آخر نذكره قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدخل رجل‏)‏ في رواية ابن نمير ‏"‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد ‏"‏ وللنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏"‏ بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله ‏"‏ وهذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر، بينه ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد‏.‏

وروى أبو موسى في الذيل من جهة ابن عيينة عن ابن عجلان عن علي بن يحيى بن عبد الله بن خلاد عن أبيه عن جده أنه دخل المسجد ا هـ‏.‏

وفيه أمران‏:‏ زيادة عبد الله في نسب علي بن يحيى، وجعل الحديث من رواية خلاد جد علي‏.‏

فأما الأول فوهم من الراوي عن ابن عيينة، وأما الثاني فمن ابن عيينة لأن سعيد بن منصور قد رواه عنه كذلك لكن بإسقاط عبد الله، والمحفوظ أنه من حديث رفاعة، كذلك أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد القطان وابن أبي شيبة عن أبي خالد‏.‏

الأحمر كلاهما عن محمد بن عجلان‏.‏

وأما ما وقع عند الترمذي ‏"‏ إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ‏"‏ فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى‏)‏ زاد النسائي من رواية داود بن قيس ‏"‏ ركعتين ‏"‏ وفيه إشعار بأنه صلى نفلا‏.‏

والأقرب أنها تحية المسجد، وفي الرواية المذكورة ‏"‏ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته ‏"‏ زاد في رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏"‏ ولا ندري ما يعيب منها ‏"‏ وعند ابن أبي شيبة من رواية أبي خالد ‏"‏ يرمقه ونحن لا نشعر ‏"‏ وهذا محمول على حالهم في المرة الأولى، وهو مختصر من الذي قبله كأنه قال‏:‏ ولا نشعر بما يعيب منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم جاء فسلم‏)‏ في رواية أبي أسامة ‏"‏ فجاء فسلم ‏"‏ وهي أولى لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرد النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية مسلم وكذا في رواية ابن نمير في الاستئذان ‏"‏ فقال وعليك السلام ‏"‏ وفي هذا تعقب علي ابن المنير حيث قال فيه‏:‏ أن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام، ولأنه لعله لم يرد عليه السلام تأديبا على جهله فيؤخذ منه التأديب بالهجر وترك السلام ا هـ‏.‏

والذي وقفنا عليه من نسخ الصحيحين ثبوت الرد في هذا الموضع وغيره، إلا الذي في الأيمان والنذور وقد ساق الحديث صاحب ‏"‏ العمدة ‏"‏ بلفظ الباب إلا أنه حذف منه ‏"‏ فرد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فلعل ابن المنير اعتمد على النسخة التي اعتمد عليها صاحب العمدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ارجع‏)‏ في رواية ابن عجلان فقال ‏"‏ أعد صلاتك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنك لم تصل‏)‏ قال عياض‏:‏ فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ، وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر، ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم بالإعادة فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان، كذا قاله بعض المالكية وهو المهلب ومن تبعه، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة، فسأله التعليم فعلمه، فكأنه قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية، أشار إلى ذلك ابن المنير، وسيأتي في آخر الكلام على الحديث مزيد بحث في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ في رواية ابن نمير ‏"‏ فقال في الثالثة أو في التي بعدها ‏"‏ وفي رواية أبي أسامة ‏"‏ فقال في الثانية أو الثالثة ‏"‏ وتترجح الأولى لعدم وقوع الشك فيها ولكونه صلى الله عليه وسلم كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه غالبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعلمني‏)‏ في رواية يحيى بن علي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فقال الرجل فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال‏:‏ أجل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قمت إلى الصلاة فكبر‏)‏ في رواية ابن نمير ‏"‏ إذا قمت إلى الصلاة فأصبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ‏"‏ وفي رواية يحيى بن علي ‏"‏ فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم‏"‏‏.‏

وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة عند النسائي إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ‏"‏ وعند أبي داود ‏"‏ ويثني عليه ‏"‏ بدل ويمجده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن‏)‏ لم تختلف الروايات في هذا عن أبي هريرة، وأما رفاعة ففي رواية إسحاق المذكورة ‏"‏ ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله ‏"‏ وفي رواية يحيى بن علي ‏"‏ فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله‏"‏‏.‏

وفي رواية محمد بن عمرو عند أبي داود ‏"‏ ثم اقرأ بأم القرآن أو بما شاء الله‏"‏‏.‏

ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه ‏"‏ ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت ‏"‏ ترجم له ابن حبان بباب فرض المصلي قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تطمئن راكعا‏)‏ في رواية أحمد هذه القريبة ‏"‏ فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك‏"‏‏.‏

وفي رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏"‏ ثم يكبر فيركع حتى تطمئن مفاصله ويسترخي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تعتدل قائما‏)‏ في رواية ابن نمير عند ابن ماجه ‏"‏ حتى تطمئن قائما ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة عنه، وقد أخرج مسلم إسناده بعينه في هذا الحديث لكن لم يسق لفظه فهو على شرطه، وكذا أخرجه إسحاق ابن راهويه في مسنده عن أبي أسامة، وهو في مستخرج أبي نعيم من طريقه، وكذا أخرجه السراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري عن أبي أسامة، فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين، ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان، وفي لفظ لأحمد ‏"‏ فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ‏"‏ وعرف بهذا أن قول إمام الحرمين‏:‏ في القلب من إيجابها - أي الطمأنينة في الرفع من الركوع - شيء لأنها لم تذكر في حديث المسيء صلاته، دال على أنه لم يقف على هذه الطرق الصحيحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم اسجد‏)‏ في رواية إسحاق بن أبي طلحة ‏(‏ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه أو جبهته حتى تطمئن مفصاله وتسترخي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ارفع‏)‏ في رواية إسحاق المذكورة ‏"‏ ثم يكبر فيركع حتى يستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه‏"‏‏.‏

وفي رواية محمد بن عمرو ‏"‏ فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى‏"‏‏.‏

وفي رواية إسحاق ‏"‏ فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن جالسا ثم افترش فخذك اليسرى ثم تشهد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم افعل ذلك في صلاتك كلها‏)‏ في رواية محمد بن عمرو ‏"‏ ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية ابن نمير في الاستئذان بعد ذكر السجود الثاني ‏"‏ ثم ارفع حتى تطمئن جالسا‏"‏‏.‏

وقد قال بعضهم‏:‏ هذا يدل على إيجاب جلسة الاستراحة ولم يقل به أحد، وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة وهم، فإنه عقبه بأن قال ‏"‏ قال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما ‏"‏ ويمكن أن يحمل إن كان محفوظا على الجلوس للتشهد، ويقويه رواية إسحاق المذكورة قريبا، وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف ابن نمير، لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ‏:‏ ‏"‏ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم افعل ذلك في كل ركعة‏"‏‏.‏

وأخرجه البيهقي من طريقه وقال‏:‏ كذا قال إسحاق بن راهويه عن أبي أسامة، والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد أبي قدامة ويوسف بن موسى عن أبي أسامة بلفظ ‏"‏ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما ‏"‏ ثم ساقه من طريق يوسف بن موسى كذلك‏.‏

واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة، وبه قال الجمهور، واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة، وصرح بذلك كثير من مصنفيهم، لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم، فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود، ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله ‏"‏ سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فذهب قوم إلى أن هذا مقدار الركوع والسجود لا يجزئ أدنى منه، قال‏.‏

وخالفهم آخرون فقالوا‏:‏ إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ، ثم قال‏:‏ وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر، أما الوجوب فلتعلق الأمر به، وأما عدمه فليس لمجرد كون الأصل عدم الوجوب، بل لكون الموضع تعليم وبيان للجاهل، وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر ويتقوى ذلك بكونه صلى الله عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم تتعلق به، فدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة‏.‏

قال‏:‏ فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وبالعكس‏.‏

لكن يحتاج أولا إلى جمع طرق هذا الحديث وإحصاء الأمور المذكورة فيه والأخذ بالزائد فالزائد، ثم إن عارض الوجوب أو عدمه دليل أقوى منه عمل به، وإن جاءت صيغة الأمر في حديث آخر بشيء لم يذكر في هذا الحديث قدمت‏.‏

قلت‏:‏ قد امتثلت ما أشار إليه وجمعت طرقه القوية من رواية أبي هريرة ورفاعة، وقد أمليت الزيادات التي اشتملت عليها‏.‏

فمما لم يذكر فيه تصريحا من الواجبات المتفق عليها‏:‏ النية، والقعود الأخير ومن المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والسلام في آخر الصلاة‏.‏

قال النووي‏:‏ وهو محمول على أن ذلك كان معلوما عند الرجل ا هـ‏.‏

وهذا يحتاج إلى تكملة، وهو ثبوت الدليل على إيجاب ما ذكر كما تقدم، وفيه بعد ذلك نظر‏.‏

قال‏:‏ وفيه دليل على أن الإقامة والتعوذ ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقالات وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ ونحو ذلك مما لم يذكر في الحديث ليس بواجب ا هـ‏.‏

وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق كما تقدم بيانه، فيحتاج من لم يقل بوجوبه إلى دليل على عدم وجوبه كما تقدم تقريره‏.‏

واستدل به على تعين لفظ التكبير، خلافا لمن قال يجزئ بكل لفظ يدل على التعظيم، وقد تقدمت هذه المسألة في أول صفة الصلاة‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ ويتأيد ذلك بأن العبادات محل التعبدات، ولأن رتب هذه الأذكار مختلفة، فقد لا يتأدى برتبة منها ما يقصد برتبة أخرى‏.‏

ونظيره الركوع، فإن المقصود به التعظيم بالخضوع، فلو أبدله بالسجود لم يجزئ، مع أنه غاية الخضوع‏.‏

واستدل به على أن قراءة الفاتحة لا تتعين، قال ابن دقيق العيد‏:‏ ووجهه أنه إذا تيسر فيه غير الفاتحة فقرأه يكون ممتثلا فيخرج عن العهدة، قال‏:‏ والذين عينوها أجابوا بأن الدليل على تعينها تقييد للمطلق في هذا الحديث، وهو متعقب، لأنه ليس بمطلق من كل وجه بل هو مقيد بقيد التيسير الذي يقتضي التخيير، وإنما يكون مطلقا لو قال‏:‏ اقرأ قرآنا، ثم قال‏:‏ اقرأ فاتحة الكتاب‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو بيان للمجمل، وهو متعقب أيضا، لأن المجمل ما لم تتضح دلالته، وقوله ‏"‏ما تيسر ‏"‏ متضح لأنه ظاهر في التخيير، قال‏:‏ وإنما يقرب ذلك إن جعلت ‏"‏ ما ‏"‏ موصولة، وأريد بها شيء معين وهو الفاتحة لكثرة حفظ المسلمين لها، فهي المتيسرة‏.‏

وقيل هو محمول على أنه عرف من حال الرجل أنه لا يحفظ الفاتحة ومن كان كذلك كان الواجب عليه قراءة ما تيسر‏.‏

وقيل‏:‏ محمول على أنه منسوخ بالدليل على تعيين الفاتحة، ولا يخفى ضعفهما‏.‏

لكنه محتمل، ومع الاحتمال لا يترك الصريح وهو قوله ‏"‏ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ‏"‏ وقيل‏:‏ إن قوله ‏"‏ ما تيسر ‏"‏ محمول على ما زاد على الفاتحة جمعا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة‏.‏

ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبان حيث قال فيها ‏"‏ اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت ‏"‏ واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان‏.‏

واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص، لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر‏.‏

وعورض بأنها ليست زيادة لكن بيان للمراد بالسجود، وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجرد وضع الجبهة فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة‏.‏

ويؤيده أن الآية نزلت تأكيدا لوجوب السجود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه يصلون قبل ذلك، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بغير طمأنينة‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم‏:‏ وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة‏.‏

وفيه أن الشروع في النافلة ملزم، لكن يحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت فريضة فيقف الاستدلال‏.‏

وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة، وتخليص، المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه‏.‏

وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال‏.‏

وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصودا لذاته، وإنما يقصد للقراءة فيه‏.‏

وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه‏.‏

وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة‏.‏

وقد استشكل تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له على صلاته وهي فاسدة على القول بأنه أخل ببعض الواجبات، وأجاب المازري بأنه أراد استدراجه بفعل ما يجهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غافلا فيتذكره فيفعله من غير تعليم، وليس ذلك من باب التقرير الخطأ، بل من باب تحقق الخطأ‏.‏

وقال النووي نحوه، قال‏:‏ وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ يحتمل أن يكون ترديده لتفخيم الأمر وتعظيمه عليه، ورأى أن الوقت لم يفته، فرأى إيقاظ الفطنة للمتروك‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا، بل لا بد من انتفاء الموانع‏.‏

ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما يلقي إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم، لا سيما مع عدم خوف الفوات، إما بناء على ظاهر الحال، أو بوحي خاص‏.‏

وقال التوربشتي‏:‏ إنما سكت عن تعليمه أولا لأنه لما رجع لم يستكشف الحال من مورد الوحي، وكأنه اغتر بما عنده من العلم فسكت عن تعليمه زجرا له وتأديبا وإرشادا إلى استكشاف ما استبهم عليه، فلما طلب كشف الحال من مورده أرشد إليه‏.‏

انتهى‏.‏

لكن فيه مناقشة، لأنه إن تم له في الصلاة الثانية والثالثة لم يتم له في الأولى، لأنه صلى الله عليه وسلم بدأه لما جاء أول مرة بقوله ‏"‏ ارجع فصل فإنك لم تصل ‏"‏ فالسؤال وارد على تقريره له على الصلاة الأولى كيف لم ينكر عليه في أثنائها‏؟‏ لكن الجواب يصلح بيانا للحكمة في تأخير البيان بعد ذلك، والله أعلم‏.‏

وفيه حجة على من أجاز القراءة بالفارسية لكون ما ليس بلسان العرب لا يسمى قرآنا، قاله عياض‏.‏

وقال النووي‏:‏ وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها، وأن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه ويكون من باب النصيحة لا من الكلام فيما لا معنى له‏.‏

وموضع الدلالة منه كونه قال ‏"‏ علمني ‏"‏ أي الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها‏.‏

*3*باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء في الركوع‏)‏ ترجم بعد هذا بأبواب التسبيح والدعاء في السجود، وساق فيه حديث الباب، فقيل‏:‏ الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح - مع أن الحديث واحد - أنه قصد الإشارة إلى الرد على من كره الدعاء في الركوع كمالك، وأما التسبيح فلا خلاف فيه، فاهتم هنا بذكر الدعاء لذلك‏.‏

وحجة المخالف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية ابن عباس مرفوعا وفيه ‏"‏ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم ‏"‏ لكنه لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود‏.‏

وظاهر حديث عائشة أنه كان يقول هذا الذكر كله في الركوع وكذا في السجود، وسيأتي بقية الكلام عليه في الباب المذكور إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَا يَقُولُ الْإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع‏)‏ ‏.‏

وقع في شرح ابن بطال هنا ‏"‏ باب القراءة في الركوع والسجود وما يقول الإمام ومن خلفه الخ ‏"‏ وتعقبه بأن قال‏:‏ لم يدخل فيه حديثا لجواز القراءة ولا منعها‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ هذه الزيادة لم تقع فيما رويناه من نسخ البخاري‏.‏

انتهى‏.‏

وكذلك أقول، وقد تبع ابن المنير ابن بطال، ثم اعتذر عن البخاري بأن قال‏:‏ يحتمل أن يكون وضعها للأمرين فذكر أحدهما وأخلى للآخر بياضا ليذكر فيه ما يناسبه، ثم عرض له مانع فبقيت الترجمة بلا حديث‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون ترجم بحديث مشيرا إليه ولم يخرجه لأنه ليس على شرطه لأن في إسناده اضطرابا، وقد أخرجه مسلم من حديث ابن عباس في أثناء حديث، وفي آخره ‏"‏ ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ‏"‏ ثم تعقبه على نفسه بأن ظاهر الترجمة الجواز وظاهر الحديث المنع‏.‏

قال‏:‏ فيحتمل أن يكون معنى الترجمة باب حكم القراءة، وهو أعم من الجواز أو المنع، وقد اختلف السلف في ذلك جوازا ومنعا فلعله كان يرى الجواز لأن حديث النهي لم يصح عنده‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

ومال الزين بن المنير إلى هذا الأخير، لكن حمله على وجه أخص منه فقال‏:‏ لعله أراد أن الحمد في الصلاة لا حجر فيه، وإذا ثبت أنه من مطالبها ظهر تسويغ ذلك في الركوع وغيره بأي لفظ كان، فيدخل في ذلك آيات الحمد كمفتتح الأنعام وغيرها‏.‏

فإن قيل‏:‏ ليس في حديث الباب ذكر ما يقوله المأموم، أجاب ابن رشيد بأنه أشار إلى التذكير بالمقدمات لتكون الأحاديث عند الاستنباط نصب عيني المستنبط، فقد تقدم حديث ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وحديث ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ويمكن أن يكون قاس المأموم على الإمام لكن فيه ضعف‏.‏

قلت‏:‏ وقد ورد في ذلك حديث عن أبي هريرة أيضا أخرجه الدار قطني بلفظ ‏"‏ كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمع الله لمن حمده، قال من وراءه سمع الله لمن حمده ‏"‏ ولكن قال الدار قطني‏:‏ المحفوظ في هذا ‏"‏ فليقل من وراءه ربنا ولك الحمد ‏"‏ وسنذكر الاختلاف في هذه المسألة في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال سمع الله لمن حمده‏)‏ في رواية أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب ‏"‏ كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ‏"‏ ولا منافاة بينهما لأن أحدهما ذكر ما لم يذكره الآخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم ربنا‏)‏ ثبت في أكثر الطرق هكذا، وفي بعضها يحذف ‏"‏ اللهم ‏"‏ وثبوتها أرجح، وكلاهما جائز، وفي ثبوتها تكرير النداء كأنه قال يا الله يا ربنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولك الحمد‏)‏ كذا ثبت زيادة الواو في طرق كثيرة، وفي بعضها كما في الباب الذي يليه بحذفها، قال النووي‏:‏ المختار لا ترجيح لأحدهما على الآخر‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ كأن إثبات الواو دال على معنى زائد، لأنه يكون التقدير مثلا ربنا استجب ولك الحمد، فيشتمل على معنى الدعاء ومعنى الخبر‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا بناء على أن الواو عاطفة، وقد تقدم في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ قول من جعلها حالية، وأن الأكثر رجحوا ثبوتها‏.‏

وقال الأثرم‏:‏ سمعت أحمد يثبت الواو في ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ ويقول‏:‏ ثبت فيه عدة أحاديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا ركع وإذا رفع رأسه‏)‏ أي من السجود، وقد ساق البخاري هذا المتن مختصرا، ورواه أبو يعلى من طريق شبابة وأوله عنده عن أبي هريرة وقال ‏"‏ أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يكبر إذا ركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده قال‏:‏ اللهم ربنا لك الحمد، وكان يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه وإذا قام من السجدتين ‏"‏ ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي ذئب بلفظ ‏"‏ وإذا قام من الثنتين كبر ‏"‏ ورواه الطيالسي بلفظ ‏"‏ وكان يكبر بين السجدتين ‏"‏ والظاهر أن المراد بالثنتين الركعتان، والمعنى أنه كان يكبر إذا قام إلى الثالثة، ويؤيده الرواية الماضية في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ بلفظ ‏"‏ ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس ‏"‏ وأما رواية الطيالسي فالمراد بها التكبير للسجدة الثانية، وكأن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الله أكبر‏)‏ كذا وقع مغير الأسلوب إذ عبر أولا بلفظ ‏"‏ يكبر ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ هو للتفنن أو لإرادة التعميم، لأن التكبير يتناول التعريف ونحوه‏.‏

انتهى‏.‏

والذي يظهر أنه من تصرف الرواة، فإن الروايات التي أشرنا إليها جاءت كلها على أسلوب واحد، ويحتمل أن يكون المراد به تعيين هذا اللفظ دون غيره من ألفاظ التعظيم، وقد تقدم الكلام على بقية فوائده في ‏"‏ باب التكبير إذا قام من السجود ‏"‏ ويأتي الكلام على محل التكبير عند القيام من التشهد الأول بعد بضعة عشر بابا‏.‏

*3*باب فَضْلِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل اللهم ربنا لك الحمد‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ولك الحمد ‏"‏ بإثبات الواو، وفيه رد على ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك‏.‏

وثبت لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ عند من عدا أبا ذر والأصيلي، والراجح حذفه كما سيأتي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام الخ‏)‏ استدل به على أن الإمام لا يقول ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ وعلى أن المأموم لا يقول ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي، وهو قول مالك وأبي حنيفة، وفيه نظر لأنه ليس فيه ما يدل على النفي، بل فيه أن قول المأموم ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده، والواقع في التصوير ذلك لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام كما في الخبر، وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين كما تقدم من أنه لا يلزم من قوله ‏"‏ إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين ‏"‏ أن الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين، وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا لك الحمد، لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة كما تقدم في التأمين وكما مضى في الباب الذي قبله وفي غيره ويأتي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد‏.‏

وأما ما احتجوا به من حيث المعنى من أن معنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام، وأما المأموم فتناسبه الإجابة بقوله ربنا لك الحمد ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره، ففيه ‏"‏ وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم‏.‏

فجوابه أن يقال لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد، إذ لا يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا، وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الإمام داعيا والمأموم مؤمنا أن لا يكون الإمام مؤمنا، ويقرب منه ما تقدم البحث فيه في الجمع بين الحيعلة والحوقلة لسامع المؤذن، وقضية ذلك أن الإمام يجمعهما وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور، والأحاديث الصحيحة تشهد له، وزاد الشافعي أن المأموم يجمع بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك شيء ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال إن الشافعي انفرد بذلك لأنه قد نقل في الأشراف عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم، وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الإجماع على أنه يجمع بينهما، وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الإمام والمنفرد، لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه من وافق قوله‏)‏ فيه إشعار بأن الملائكة تقول ما يقول المأمومون، وقد تقدم باقي البحث فيه في ‏"‏ باب التأمين‏"‏‏.‏